شهدت الواحات انتشار قرى كبيرة فيها: ففي عام 1950م كان هناك سبع قرى في واحة الأحساء يزيد عدد سكان كل منها على ألفي شخص، بما في ذلك قرية طرف التي يبلغ عدد قاطنيها ثلاثة آلاف وسبعمائة نسمة، وكان مجموع عدد السكان في تلك القرى ذلك الوقت يقدر بنحو 72 ألفا، وكانت القرى قريبة من البساتين التي كان يرعاها القرويون، لكنها كانت عموما تنتشر على تخوم المناطق المزروعة، ويبدو أن بعض القرى قد تراجعت مواكبة للخط الأخضر الذي انحسر مع بساتينه خلال القرون ربما بسبب الملوحة الناجمة عن تزايد شح المياه لأمد طويل في المنطقة.
كانت الأسوار تحيط بالقرى الأكبر حجما، وكان معظم البيوت مبنيا بكتل من الحجر الكلسي المغطى بالجص أو الطين، وكان بعضها يبنى بكتل من الطين نفسه، وهو الأسلوب المعروف في نجد، وكان النسيج العمراني بسيطا، تكمله الأزقة الضيقة وكتلة المسجد وساحة عامة وسط القرية، أما القرى الأصغر والأفقر فلم تكن لها أسوار وغالبا ما كانت تنتشر فيها (الباراستي)، أي البيوت المبنية من جريد النخيل بين بيوتها الأمتن من كتل الأحجار الأخرى والطين، وداخل البساتين كانت تنتشر أيضا قرى أصغر دون أسوار ومعظم بيوتها من جريد النخيل.بنى بعض التجار وملاك الأراضي لأنفسهم دارات صيفية واسعة ضمن بساتينهم وافرة الظلال، حيث كانوا يمضون أشهر الصيف في التسلية، ولا سيما بعد نجاح آل سعود في نشر الأمن والهدوء في أرجاء المنطقة، وكان بعض تلك الدارات، التي كانت تسمى (قصور) مشيدة بطراز منمق للغاية وكان في الفاخر منها أحواض للسباحة.
كانت مناطق الاستيطان الأخرى الوحيدة في المنطقة الشرقية مناطق قبلية وكان أفراد قبيلة بني خالد ممن آثروا الاستقرار على حياة الترحال قد استوطنوا جزيرتي جنا والمسلمية قبالة ساحل شبه الجزيرة في الخليج، وكانت الجبيل، المدينة الصناعية الكبرى اليوم، قرية تقليدية لصيادي السمك حين وصل إليها المنقبون الأميركيون عن النفط عام 1932م، ولكنها لم تكن قائمة قبل ذلك بثلاثين عاما، وقد تبرز المستوطنات القبلية في مناطق البادية شبه الصحراوية بسرعة لتواكب تغير الظروف الاقتصادية والسياسية، ثم تتلاشى بالسرعة التي كانت قد برزت فيها.
من تلك المستوطنات العابرة قصر الصبيح الذي يقع داخل البر على بعد نحو ستة كيلومترات عن الجبيل، وفي عام 1905م أعادت أفخاذ من قبيلة بني خالد بناء قلعة قديمة هناك وأنشأت قرية بيوتها من جريد النخيل، وكان عددها ثلاثمائة وخمسين بيتا تؤوي نحو ألف شخص، أي مستوطنة كبيرة بمقاييس ذلك الزمان، واستخدمت كقاعدة للعمليات ضد قبيلتي مطير ومرة اللتين كانتا من خصوم بني خالد، وكانت تلك المستوطنة خارج نطاق الإدارة العثمانية، وكان قدرها أن تفقد مركزها ذاك حين أرسى آل سعود قواعد نظامهم الجديد في المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية عام 1912م.
زراعة الواحات تعد واحة الأحساء، التي تحيط بها الصحراء القاحلة وتعتمد على مصادرها المائية الذاتية، من كبرى الواحات الحقيقية في العالم، وكانت قبل التطور العمراني والصناعي الذي شهدته في السنوات الماضية، منطقة متميزة بسحر خاص، فقد كانت تضم جزرا شاسعة من الخضرة الممتدة على مد البصر، وفي محاذاتها مباشرة محيط كبير من الأرضي الجرداء، لكن هذا التباين الواضح تداخلت ملامحه اليوم بعد أن زحفت على خضرته المباني والمنشآت الحديثة التي أزالت نحو نصف المساحات الخضراء منطلقة في معظمها من الهفوف والمبرز.
كانت مساحة الأراضي المزروعة قرابة الاثني عشر ألف هكتار، وأقرب إحصاء لعدد أشجار النخيل هناك يمكن الاعتماد عليه يقدر بثلاثة ملايين شجرة، ومنذ اكتمال شبكة الري في الواحة أوائل سبعينات القرن العشرين، ازدادت رقعة الأراضي التي أصبحت زراعتها ممكنة بنحو 19 ألف هكتار. أما القطيف، فهي واحة بحرية يعمل أهلها في كسب رزقهم من صيد اللؤلؤ والسمك والتجارة البحرية إضافة إلى الزراعة، وهي ليست كبيرة بحجم واحة الأحساء ولا تتجاوز مساحة الأراضي المزروعة فيها الـ4 آلاف هكتار، وكما هي الحال في الأحساء، هناك دلائل أيضا على انحسار كبير في مساحة الأراضي الزراعية في القطيف مقارنة بالعهود الغابرة حين كانت المستوطنات المنتشرة خارجها اليوم، كعين جوان وصفوى وسيهات، كما يعتقد، جزءا من واحة وارفة واحدة متسقة. لقد أمكن توسيع الرقعة الزراعية الشاسعة في الأحساء والقطيف بفضل كميات الماء الهائلة المنبعثة من الطبقات الصخرية الجوفية (توضعات الخبر وأم الراضومة) بفعل الضغط الارتوازي الطبيعي، ففي واحة الأحساء تنبعث المياه من نحو خمسمائة نبع بعضها واسع جدا.
وقد قامت الحكومة السعودية بإحلال نظام حديث لتوزيع المياه محل النظام القديم في مشروع بدأ منذ منتصف ستينات القرن العشرين وأكمل عام 1972م يرمي إلى الحد من الملوحة المتزايدة داخل التربة وما ينجم عنها من انحسار رقعة المساحات الخضراء في الواحة، وضمن المشروع سقاية البساتين بالماء العذب وحده وصرفه بعد ذلك دون إعادة استعماله خارج الواحة.
الحياة البحرية وصيد اللؤلؤ كانت واحة القطيف وتوابعها، بما في ذلك جزيرة تاروت، تشكل بمجموعها منطقة الاستيطان الرئيسية على ساحل المنطقة الشرقية لشبه الجزيرة العربية، وكان للواحة وتوابعها بحكم موقعها وظروفها توجه واضح نحو البحر، ومع ذلك ولكونها في معظمها واحات فهي لم تكن مراكز بحرية بالمعنى المعروف عن المراكز البحرية الواقعة على ساحل شبه جزيرة العرب من الخليج ككل، فواحات القطيف كانت، باستثناء الساحل الشمالي للبحرين، المنطقة الزراعية الوحيدة بمساحة واسعة على طول امتداد الساحل العربي للخليج من شط العرب شمالا إلى دبي جنوبا.
كان اعتماد أهل القطيف على الموارد البحرية في حياتهم أقل بكثير من المراكز البحرية الأخرى هناك. وقد طور هؤلاء أنماطا في الزراعة تكاد تخلو من أنماط الزراعة المعروفة في المناطق البحرية على الساحل، لكن حياة أهل القطيف في الوقت نفسه كان لها بعد بحري، إذ كانوا يمارسون تجارة البحر والغوص بحثا عن اللؤلؤ وصيد السمك، لكن من مارسوا تلك الأنشطة كانوا قلة وكانت أنشطتهم تلك غالبا ما ترتبط بالزراعة.
كانت القطيف، في فترات مختلفة من الماضي، قد ازدهرت كميناء، إبان حكم العيونيين والعصفوريين مثلا، في القرون الخامس والسادس والسابع الهجري (الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر الميلادي). لكن، لم تكن لها الشروط اللازمة لجعلها ميناء جيدا، وكانت البحرين على الدوام ذات الموقع الأفضل لتكون الميناء الذي تدخل منه البضائع القادمة بطريق البحر، ونتيجة لذلك كانت القطيف في غالب الأحيان ميناء محليا لكنه مهم.
وينطبق الوضع ذاته على العقير، الذي على الرغم من كونه ميناء حيويا في القرن التاسع الميلادي وما بعده، فقد اقتصر دوره في معظم فترات تاريخه على تخديم واحة الأحساء فحسب.
وكان صيد اللؤلؤ في قاع الخليج المحاذي لسواحل المنطقة الشرقية لعدة قرون، بل ربما لآلاف السنين، نشاطا اقتصاديا مهما قد يعود تاريخه إلى العصر الحجري الحديث، وقد جاء ذكر اللآلئ في السجلات الأثرية قبل ما لا يقل عن ألفي عام في المقبر الذي عثر عليه في جوان، كما كتب المؤلف الإغريقي الذي سطر كتاب (بيريبلوس البحر الإرتيري) بين القرنين الأول والثالث للميلاد، عما وصفه بمصايد اللؤلؤ الكثيرة في الخليج، وكان اللؤلؤ من أهم صادرات المنطقة إلى جانب الخيول والتمور خلال العصور الوسطى.
في القرنين الثالث عشر والرابع عشر للهجرة (التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلادي) عكف المسؤولون البريطانيون هناك على إعداد بيانات إحصائية عن أوضاع تجارة اللؤلؤ تبين لنا أن المشيخات الواقعة على ساحل الخليج الجنوبي كانت، قبل عصر النفط، تعتمد اعتمادا يكاد يكون كليا على تلك التجارة، وكانت ضفاف اللؤلؤ أو المغاصات في قاع الخليج تتمتع بشهرة عالمية من حيث جودة كنوزها الطبيعية هذه وتوافرها بكميات غزيرة، وكانت تلك السلعة تباع عبر بومباي في الهند إلى بيوت الموضة المشهورة في كل من أوروبا وأميركا.
يقدر عدد القوارب العاملة في صيد اللؤلؤ هناك عام 1907م بنحو 4 آلاف و500 قارب يستخدمها زهاء 74 ألف غواص وبحار وقبطان، كما يقدر أن تجارة اللؤلؤ في الخليج كانت تدر على أصحابها مالا يقل عن مليون وخمسمائة ألف جنيه إسترليني (حسب قيمتها عام 1907م) سنويا، مما كان له أكبر إسهام في ازدهار اقتصاد الخليج، وفي أواسط القرن الرابع عشر الهجري (عشرينات القرن العشرين الميلادي) ارتفعت تلك الأرقام، وأصبح نحو نصف مليون شخص في المنطقة يعتمدون في معيشتهم على ما يستخرجه الغواصون من اللآلئ وأصبحت المنامة عاصمة البحرين مركزا لتجارة اللؤلؤ وغمرت الثروات الهائلة عددا من تجار هذه السلعة الطبيعية.
في أواسط القرن الرابع عشر (ثلاثينات القرن العشرين)، أصيبت هذه التجارة بضربة كبيرة حين بدأت كميات هائلة من اللؤلؤ المصنع تكتسح الأسواق، وكان يمكن أن تؤدي تلك الضربة إلى إصابة الاقتصاد في المشيخات بشلل تام لو لم تكلأ العناية الإلهية المنطقة بنعمتها وتكشف لها عن مورد طبيعي آخر أكبر قيمة بكثير في الوقت ذاته الذي كان اللؤلؤ المصنع فيه يقضي على تجارة اللؤلؤ الطبيعي، وثبت على الصعيد الاقتصادي أهمية النفط المكتشف التي فاقت كثيرا قيمة اللؤلؤ بالنسبة إلى أهل الخليج، والمفارقة، أن النفط حين حل محل اللؤلؤ هناك قد رسخ التقليد القديم في المنطقة التي بقيت دولها تعتمد على سلعة واحدة منفردة كعماد أساسي لاقتصادها.
وعلى الرغم من أن ساحل الأحساء كان يؤدي دوره المهم في تجارة اللؤلؤ، فإن ذلك الدور لم يكن دورا نموذجيا لدولة بحرية، فالواحة بحكم سماتها البرية من حيث زراعة الواحات والصناعات الإنتاجية فيها لم تكن أبدا تعتمد اعتمادا كبيرا على صيد اللؤلؤ، وتبين الإحصاءات المدونة عام 1907م أن موانئ الأحساء لم تسهم في تلك الصناعة بأكثر من 167 قاربا و3444 بحارا وغواصا مقابل 9200 شخص من الكويت وزهاء 12 ألف شخص من قطر وأكثر من 17 ألف شخص من البحرين.
وكان إسهام جزيرة تاروت وحدها نحو ثلثي أسطول صيد اللؤلؤ في المنطقة الشرقية بأكملها. وهناك فوارق أخرى أيضا بين صناعة صيد اللؤلؤ في ساحل الأحساء وفي ساحل البحرين، إذ كان قسم كبير كما هو الحال في قطر، من رجال القبائل الذين كانوا يقصدون الساحل في موسم الغوص لا غير، وكان الكثير منهم ممن لم يرزحوا في حياتهم أبدا تحت وطأة الديون، يتجمعون للعمل في قوارب يملكونها بأنفسهم وكان نواخذة القوارب يخشون عواقب خداعهم، يضاف إلى ذلك أن رجال القبائل هؤلاء كانوا أحرارا في اختيار أرباب العمل والتوجه إلى رب عمل آخر حين يشاؤون.
صيد السمك وبناء القوارب كان صيد السمك على الدوام نشاطا ذا نطاق محدود وصغير على سواحل المنطقة الشرقية لشبه الجزيرة العربية، وهو الذي يظهر مرة أخرى أن اقتصادها كان يعتمد أساسا على المنتجات البرية، ومع ذلك كان هناك قدر معين من هذه الصناعة لتلبية الطلب المحلي المحدود على السمك.
كان معظم أساليب الصيد يستغل مناطق المياه الضحلة على طول الساحل، ولا سيما منها المناطق القريبة من الأحواض الغنية بالأعشاب البحرية كخليج تاروت، من تلك الأساليب استخدام نوعين من الشباك: شباك الدسام وشباك الإعاقة، وكلاهما مصمم لحصر الأسماك فيه بفضل دساماته التي تعيق محاولة الأسماك الهروب من الشبكة، وكل من هذه الشباك يزيد طوله على خمسين مترا، وعمق غاطسه يراوح عادة بين متر ومترين وتربط الشباك في خط طويل بحيث تدفع الخصائص الطبيعية للساحل الأسماك في اتجاهها وإلى داخلها وكانت الشباك المثبتة بالعيدان تلقى في المياه الضحلة كمياه الخلجان الصغيرة بأشكال دائرية أو حلزونية وتعلق الشباك بالعيدان التي تثبت في إحدى نهايتي الشبكة على الشاطئ وتقع الأسماك في فخ الشبك المنصوبة وداخل امتدادها الحلزوني الذي يدفعها على طول الشبكة كلها.
بعيدا عن الشواطئ الهادئة، كانت الشباك المحيطة من وسائل صيد السمك المألوفة عبر العصور، وكانت تلك الشباك تلقى في المياه بحملها مشيا على الأقدام أو بالقوارب وتمد مدا أو بشكل مستدير حسب طولها، ومن ثم تسحب إلى الشاطئ ولصيد الأسماك الصغيرة في المياه الضحلة كانت تستخدم بكثرة الشباك التي تلقى بشكل مستدير وبعرض مترين إلى ثلاثة، وكانت تتطلب مهارة فائقة لإلقائها في الماء بالشكل الصحيح.
كانت الفخاخ الخشبية أو المصنعة من الأغصان لصيد السمك من المشاهد المألوفة على طول سواحل الخليج، وتستغل هذه الفخاخ تدفق مياه المد فوق المناطق الطينية المنبسطة والضفاف الرملية، وتصنع معظم تلك الفخاخ من عيدان النخيل أو القصب وتزرع عموديا في الماء على شكل الرقم 7 وتنتهي بجيب صغير يعلق فيه السمك حين يحدث الجزر، وقد تستخدم أحيانا حجران حجرية منخفضة مصممة على هذه الشاكلة بدلا من الشباك. لا تزال تستعمل حتى اليوم أحيانا رماح يدوية بدائية لتصيد السمك العابر أو للصيد على طول مناطق المياه الضحلة في الليل. وقد تستعمل أيضا عصي يدوية بسيطة لهذا الغرض.
يستعمل الصيادون في المياه الأعمق قدور السمك، التي كانت ذات يوم تصنع من جريد النخيل، لكنها تصنع اليوم من أسلاك فولاذية، ويوضع الطعم في هذه القدور ثم تلقى في الماء على عمق يصل حده الأقصى إلى عشرة أمتار، أما الأسماك الأكبر حجما فيجري اصطيادها بخطوط من الحبال الرفيعة التي توزع على طولها الطعوم وتجر وراء القارب.
لا يزال الناس في المنطقة الشرقية يمارسون صيد السمك بالأسلوب التقليدي عموما ولا تنطوي مظاهر التحسين الحديثة بشكل عام على أكثر من تغيير في المواد، فقد كانت الشباك تصنع مثلا من خيوط القطن لكنها تصنع اليوم من النايلون وربما كان أبرز تغيير في هذا المجال استخدام المحركات بدلا من الأشرعة في تسيير القوارب، وتوضع هذه المحركات إما داخل القارب وإما خارجه.
قبل الأزمة التي أدت إلى تلوث مياه الخليج بالنفط عام 1991م، كانت الهيئات الحكومية المعنية قد حددت عددا من موارد صيد الأسماك في المنطقة يجري استغلالها بأساليب الصيد العصرية، وكانت شركة مصائد الأسماك السعودية تصطاد الربيان بكميات تجارية ويجب إجراء المزيد من الأبحاث اليوم لتحديد مستوى مخزون الأسماك الذي يمكن استغلاله.
القوارب التقليدية التي نشاهدها اليوم على سواحل المنطقة الشرقية هي من طراز الشوعي الصغير المعدل كي يضاف إليه محرك والمستخدم لصيد السمك أو كوسيلة من وسائل النقل المحلي على نطاق صغير، وفي الماضي، ولا سيما بعد دخول السفن التجارية إلى الخليج أواسط القرن التاسع عشر كان مشهد سفن الشحن الشراعية الكبيرة المبنية في الخليج من المشاهد المألوفة في عرض البحر أو قرب السواحل، لكن ساحل الأحساء خلا من الموانئ الطبيعية ذات المياه العميقة، وكان على تلك السفن أن ترسو قبالة الساحل حيث يتم تفريغها وتحميلها بالزوارق الصغيرة، فالسفن التي يبلغ غاطسها أكثر من ستة أقدام (نحو المترين) لم يكن في إمكانها الاقتراب من القطيف على سبيل المثال، رغم أن المراسي في دارين ورأس تنورة القريبتين كانت مياهها أعمق.
ولذلك، لم يكن من العجب ألا تزدهر صناعة بناء السفن في القطيف وجزيرة تاروت كما ازدهرت في كل من البحرين والكويت، ومع ذلك كانت هناك صناعة متواضعة في هذا الميدان في ميناء دارين، حيث لا نزال إلى اليوم نجد قدرا ضئيلا من مزاولة إصلاح القوارب.
كانت أساليب بناء القوارب في المنطقة سابقا هي الأساليب ذاتها التي كانت مألوفة في الخليج آنذاك، إذ كانت القوارب تبنى على شاكلة الأصداف، أي إن الألواح الخشبية كانت تثنى ويربط بعضها ببعض أولا ثم تركّب على الهيكل وعلى عمودي المقدمة والمؤخرة، أما الأضلاع فكانت تثبت في ما بعد، وكان تثبيت الألواح على جسم القارب يتم بوضع الحافة على الحافة، وكان الخشب المستعمل لبناء الهيكل وعمودي المقدمة والمؤخرة وألواح تلبيس الجسم وصناعة الصواري، يقطع من أشجار التيك ويستورد من الهند، بينما كانت أخشاب الأضلاع والركب من القطع الطبيعية المعوجة المنتشرة في الخليج وأماكن أخرى.
عصر النفط في عام 1938م وبعد خمس سنوات من البحث والتنقيب دون جدوى، قرر الجيولوجيون الأميركيون في شركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» (SOCAL) أن بئر الدمام (رقم 7) يجب أن تحفر إلى مسافة أعمق قليلا وكان من شأن ذلك القرار الذي اتخذ في خضم مشاعر من الضيق والتبرم حيال عدم إثبات ذلك الكنز الطبيعي النفط في طبقات الأرض الصخرية - أن يؤدي إلى اكتشاف النفط هناك بكميات هائلة، وبهذا بدأ عصر جديد في المنطقة الشرقية وفي المملكة العربية السعودية جميعها.
ظلت بئر الدمام رقم 7 تنتج كميات متواضعة نسبيا من النفط حتى عام 1982م، وهو اليوم معلم ولو على نطاق محدود، من معالم اكتشاف أكبر احتياطي معروف من هذه الثروة الطبيعية في العالم.
يعتقد أن حقول النفط في المنطقة الشرقية مع الحقول الجديدة المكتشفة حول العاصمة الرياض تختزن اليوم احتياطيا نفطيا يقدر بمائتين وستين بليون برميل، أو أكثر من مجموع ربع الاحتياطي المعروف في العالم، ويعاد النظر باستمرار في هذا الرقم مع اكتشاف حقول نفط جديدة وتطور تقنيات استخراج النفط. وغني عن القول أن الازدهار الاقتصادي الذي تتمتع به المملكة العربية السعودية ودورها القيادي في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وأثرها الاقتصادي على الصعيد العالمي، تنبثق جميعا ومباشرة من مجرد توافر الحجم الهائل من (الذهب الأسود) المختزن في باطن الصحراء والبحر في المنطقة الشرقية.
تزامن اكتشاف الثروة النفطية في المنطقة الشرقية في اللحظة السعيدة، مع مساعي السعودية الناشئة لإعداد أجهزة الدولة وإرساء قواعدها، فقد كانت المؤسسات الحكومية الأولى في طور التشكيل، وكانت أول أعمال التوسع في مدينة الرياض، التي تقرر أن تصبح عاصمة المملكة الجديدة، تجري على قدم وساق، وكانت تلك التطورات تتطلب أموالا عاجلة لإرساء البنية التحتية التي تجعل الدولة الناشئة في رعاية حكومة فاعلة، وكان نفط المنطقة الشرقية الوسيلة التي تمكنت المملكة بها من تحويل أوضاعها في فترة زادت قليلا على أربعين عاما وحسب، من منطقة تقليدية متخلفة ماديا في الشرق الأوسط إلى دولة عصرية مزدهرة كما نشهد اليوم.
http://www.hassacom.com/news.php?action=show&id=10482
تم إضافته يوم الجمعة 27/08/2010 م - الموافق 17-9-1431 هـ الساعة 9:50 صباحاً